تخطط أعداد متزايدة من الأجانب الأثرياء لمغادرة المملكة المتحدة، نتيجة إلغاء نظام «غير المقيمين»، الذي يعفيهم من دفع الضرائب على الإيرادات التي يتم جنيها في الخارج.
وقد أدّى هذا التغيير – المدعوم من كل من حزبي المحافظين والعمال – إلى تراجع جاذبية المملكة المتحدة، وفقاً لأكثر من 12 مقابلة أجريت مع أثرياء أجانب ومستشاريهم. ومن بين أبرز الأسباب الأخرى التي تدفعهم للمغادرة: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعدم الاستقرار المالي والسياسي، والمخاوف الأمنية.
وقال رجل أعمال ملياردير أمضى 15 عاماً في لندن، وينقل الآن محل إقامته الضريبية إلى أبوظبي: «خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتعهد المحافظون بجعل المملكة المتحدة مثل سنغافورة، لكنهم بدلاً من ذلك، حولوا البلد إلى بيلاروسيا». مضيفاً: «لقد بات الأمن الآن قضية تثير القلق، ناهيك عن الأسباب المتعلقة بالضرائب، وهو ما يقف وراء رغبة الناس في المغادرة».
وخلال شهر مارس، استولى وزير المالية جيريمي هانت، على إحدى السياسات المالية الرئيسة لحزب العمال المعارض، عندما أعلن إلغاء نظام «غير المقيمين».
وتبعت راشيل ريفز وزيرة المالية في حكومة الظل لحزب العمال، هذا الإعلان، بمقترحات لتشديد الإجراءات المزمعة، لا سيما إلغاء قرار المحافظين بالسماح لغير المقيمين، الذين سيخسرون المزايا ابتداءً من أبريل المقبل، بحماية الأصول الأجنبية المحتفظ بها في صناديق خارجية بشكل دائم من ضريبة الميراث.
ووضعت الاستطلاعات حزب العمال، بقيادة السير كير ستارمر على المسار نحو الفوز في الانتخابات العامة، المقرر عقدها في 4 يوليو. وقال رجل أعمال أوروبي غير مقيم، في الخمسينيات من عمره، وقرر نقل عائلته من لندن إلى سويسرا، بعد أكثر من عقد في المملكة المتحدة: «ضريبة الميراث في المملكة المتحدة بنسبة 40 % على أصولك العالمية، تمثل مشكلة حقيقية.. لقد كان عدم الاستقرار العام بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لي.. لو كان ثمة ضريبة ميراث أكثر توازناً وأقل إجحافاً، ربما كنت سأفكر في البقاء».
ورغم جهود ستارمر لتقديم حزب العمال على أنه «حزب يخلق الثروات»، إلا أن تغييرات نظام غير المقيمين، تعد واحدة من عدة زيادات ضريبية محتملة، في ظل حكومة حزب العمال. والتزم حزب العمال بعدم زيادة ضريبة الدخل أو التأمين الوطني أو ضريبة الشركات أو ضريبة القيمة المضافة، كما أكد على أنه «لا يعتزم» رفع ضريبة الأرباح الرأسمالية، أو ضريبة الميراث، أو فرض أي نوع من ضريبة الثروة، لكنه يرفض استبعادها. وقالت ريفز لصحيفة فاينانشال تايمز هذا الأسبوع: «لا نسعى للحصول على تفويض لزيادة الضرائب المفروضة على الناس».
وأشار مسؤول في الحزب، إلى أن «أحداً لم يطلع بالمرة» على مذكرة حزب العمال المزعومة، التي نشرتها صحيفة الغارديان، والتي أوضحت فيها أن الحزب يفكر في زيادة معدل ضريبة الأرباح الرأسمالية، بما يتماشى مع ضريبة الدخل، والحد الأقصى للإعفاءات الضريبية على الأعمال التجارية، وميراث الأراضي الزراعية. وذكر مسؤولون في حزب العمال، أن التقرير يبدو أنه يستند إلى بحث أجراه معهد الدراسات المالية، وشركة «تاكس بوليسي أسوشييتس».
وقال تريفور أبراهمسون مدير شركة غلينتري بروبرتيز، وهي وكالة عقارية في لندن، إن هناك انخفاضاً مطرداً في الاهتمام بالعقارات التي تبلغ قيمتها 10 ملايين جنيه إسترليني، وعزا ذلك إلى «ارتفاع أسعار الفائدة والتغييرات المتوقعة في نظام غير المقيمين». وأضاف: «مع زيادة دخول العقارات الراقية إلى السوق، أتوقع انخفاض عدد المشترين وتراجع الأسعار».
وصرح قطب اللقاحات الهندي، الملياردير أدار بوناوالا، لصحيفة فاينانشال تايمز، الشهر الماضي، أن التغيير في نظام غير المقيمين، أضر بالمملكة المتحدة. وقال بوناوالا رئيس معهد الأمصال الهندي: «في حين أن البعض على استعداد لتحمل هذه التكلفة، لكن الأغلبية ليست كذلك، ويمكنهم المغادرة بسهولة».
ووفقاً للتقديرات الأخيرة الصادرة من هيئة الإيرادات والجمارك البريطانية، قال 68.8 ألف شخص، ذكروا أنهم غير مقيمين في إقراراتهم الضريبية لعام 2022، لكن التأخير في جمع البيانات يعوق تقييم التغييرات الأخيرة. وأوضحت فيونا فيرني، الشريكة لدى شركة الضرائب والمحاسبة بليك روثبنرغ، أنه «لا توجد بيانات قاطعة عن مغادرة الأفراد غير المقيمين، لكن ثمة ضجة حقيقية في الوقت الحالي، إزاء تفكير الأفراد في المغادرة والرحيل فعلياً»، وقالت: «هناك إشارات واضحة من كلا الحزبين، بأن الأشخاص غير المقيمين مستهدفون، وسيتم خفض أي فوائد متوقعة يتم منحها لهم بشكل كبير، وهذا هو السبب وراء المغادرة».
ووفقاً لمستثمر فرنسي في الأربعينيات من عمره، فإن «أي أجنبي في المملكة المتحدة، لديه خيار المغادرة، يفعل ذلك، بسبب إلغاء نظام غير المقيمين». وأضاف أنه سينتقل من لندن إلى ميلانو في مطلع العام المقبل، بعدما جذبه نظام أعلنته إيطاليا في عام 2027، وهو النظام الذي يعفي الدخل الأجنبي من الضرائب الإيطالية، مقابل دفعة سنوية قدرها 100 ألف يورو. كما أوضح أن العودة إلى فرنسا «مستبعدة»، في ظل الوضع السياسي الحالي.
وبدأت بريطانيا اتخاذ إجراءات صارمة ضد نظام غير المقيمين منذ 8 سنوات، في عهد الوزير المحافظ جورج أوزبورن. وتم تشديد النظام، بحيث بدءاً من أبريل 2017، اعتبر السكان الأجانب الذي عاشوا في بريطانيا لأكثر من 15 عاماً من أصل العشرين سنة الماضية، مقيمين في البلاد.
ومنذ ذلك الحين، اتبعت ولايات قضائية أوروبية أخرى – بما في ذلك فرنسا وإيطاليا والبرتغال – اتجاهاً معاكساً، حيث أطلقت أنظمة مماثلة لغير المقيمين أو الهجرة، لجذب العائلات الثرية، ما زاد المنافسة مع الملاذات المعتادة، مثل موناكو وسويسرا. وبحسب المستشارين، تعد إيطاليا وسويسرا ومالطا والشرق الأوسط حالياً، الوجهات الأكثر رواجاً لمن يغادر المملكة المتحدة.
وفي حين أن غير المقيمين مُعفَون من الضرائب على أرباحهم الخارجية، فإنهم يخضعون لضريبة على دخلهم في المملكة المتحدة. ويقول أنصار النظام إن غير المقيمين يسهمون بالمهارات والوظائف والاستثمارات في بريطانيا.
وذكر رجل أعمال فرنسي في الخمسينيات من عمره، ومقيم في سويسرا، أنه كان قد بدأ إجراءات نقل بعض أنشطته التجارية إلى المملكة المتحدة، لكنه تراجع بعد إعلان الحكومة إلغاء نظام غير المقيمين. وقال: «لقد أرسل المحافظون رسالة قوية، مفادها أنهم لم يعودوا يرغبون في وجود الأجانب هنا بعد الآن، ولن يفعل حزب العمال شيئاً لتغيير ذلك، وأنا على يقين بأنني لن أعود».
ليس هذا فحسب، فالمخاوف من فرض نظام ضريبي أكثر صرامة، تدفع بعض المواطنين البريطانيين للتفكير في مغادرة البلاد. ولاحظت شركة «هنلي آند بارتنرز»، المتخصصة في استشارات الإقامة والمواطنة، زيادة 3 أضعاف في الاستفسارات الواردة من المواطنين البريطانيين بين عامي 2022 و2023، وزيادة على أساس سنوي بنسبة 25 % في النصف الأول من هذا العام.
وعلق دومينيك فوليك مدير قسم عملاء القطاع الخاص في شركة «هنلي آند بارتنرز»، بأن «جزءاً كبيراً من الاستفسارات التي نتلقاها حالياً في مكتب لندن، تستند إلى توقعات فوز حزب العمال، والنتائج التي ستترتب على ذلك».