تعد البنية الأسرية عاملاً مهماً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ يضع كل طرف العلاقات الأسرية للمرشح المنافس تحت المجهر، لعله يجد ثغرة يسوقها للناخبين كدلالة على عدم اهتمام منافسه ب«الأسرة» داخل المجتمع الأمريكي، لكن اللافت في الانتخابات الحالية المحتدمة بين مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب أن كليهما يعيش زواجاً ناجماً عن انفصال، وهو أمر لم يكن متصوراً قبل أكثر من نصف قرن، عندما أدى طلاق المرشح الرئاسي نيلسون روكفلر وزواجه مرة أخرى إلى فشل انتخابه عام 1964.
وفي ظل وجود صراع طويل الأمد بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الحزب الأكثر تأييداً للأسرة، فإن الانفصال ومن ثم الزواج مرة أخرى، جعل هذه المعركة السياسية أكثر سخونة من أي وقت مضى، إذ تأتي طبيعة أسرتي ترامب وهاريس لتدل على التحولات الدراماتيكية في الحياة الأسرية الأمريكية.
وبالنظر إلى طبيعة الحياة الأمريكية في السابق، فإن العديد من المحافظين أيدوا دونالد ترامب على الرغم من حياته الشخصية وبنيته العائلية، وليس بسببها، في حين تدفع شخصيات مهمة في الحزب الجمهوري ومن بينهم نائب ترامب سناتور أوهايو جي دي فانس، من أجل العودة إلى البنية الأسرية التقليدية كعلاج للأمراض الاجتماعية المتفشية في المجتمع الأمريكي، مثل قلة الإنجاز الطلابي وارتفاع معدلات الجريمة. بينما يطرح الديمقراطيون رؤية أكثر ليبرالية للعائلات والتي تشمل الأزواج من نفس الجنس، والأسر المختلطة، والأسر المتبنية، وهي رؤية يقولون إنها تنعكس في عائلة نائبة الرئيس كامالا هاريس.
الأسر الحديثة
وتقول النائبة عن ولاية ماساتشوستس أيانا بريسلي: «إنها تروي القصة الصادقة لأمريكا وإننا نقوم بالعمل على بناء أمريكا أكثر عدلاً حيث يمكن للجميع الجلوس على نفس الطاولة أياً كان نوع الأسرة»، كمفهوم للأسرة الأمريكية الحديثة. بينما تعد بريسلي من بين عشرين عضواً في الكونجرس من زوجات الأم، بحسب موقع بوليتكو.
هاريس، وهي نفسها طفلة انفصل والداها، كما انها تعيش حاليا في أسرة مختلطة تضم زوجها دوغ إيمهوف بالإضافة إلى ابنيه من زوجته الأولى كول وإيلا. أما ترامب الذي انفصل مرتين، فلديه خمسة أبناء من ثلاث أمهات.
وتشير أحدث الإحصائيات الأمريكية إلى أن أكثر من ثلث الأطفال لا يعيشون مع أبوين متزوجين، ويعيش ما يقرب من واحد من كل ستة أطفال في أسرة مختلطة مع زوج الأم أو إخوان غير الأشقاء، وفقًا لمركز بيو للأبحاث.
ريغان الوحيد
وحتى عهد ترامب، كان الجمهوري رونالد ريغان هو الرئيس الوحيد المنفصل. وفي عام 2008، كان انفصال جون ماكين من كارول ماكين، زوجته الأولى، مصدراً للتكهنات في وسائل الإعلام. ورغم أنه لدى الرئيس جو بايدن أيضًا عائلة مختلطة، لكن ذلك بسبب وفاة زوجته الأولى نيليا، وليس بسبب الطلاق. وتعد السيدة الأولى جيل بايدن هي زوجة الأب للراحل بو بايدن وشقيقه هانتر، أما آشلي بايدن فهي أختهما غير الشقيقة.
ويقول ريك ديفيس، المدير السابق لحملة ماكين الرئاسية: «نحن بعيدون جدًا عن العائلة النووية»، واصفًا عائلة هاريس ب «العائلة النووية الكلاسيكية الجديدة»، وهو تعبير يستخدم غالباً للأسرة الواحدة التي تعيش سنوات طويلة في منزل واحد، مؤكدا أنه «لا يعتقد أن هذه هي أمريكا التي نعيش فيها بعد الآن.»
تأثير محدود
ومن الواضح أن الشؤون، التي كانت ذات يوم بمثابة مفاجأة بالنسبة للترشح للرئاسة، لا يبدو أن لها نفس التأثير حالياً، فقد أبطلت كيرستين إيمهوف، طليقة دوغ أيمهوف زوج كامالا هاريس هجومًا مبكرًا على علاقة غرامية أقامها أثناء زواجهما، واصفة إياه ب «الأب العظيم» و«الصديق العظيم»، كما أنها داعمة قوية لهاريس. كما هاجم الديمقراطيون ترامب بسبب إدانته بارتكاب جناية تتعلق بدفع أموال مقابل الصمت، وليس بسبب العلاقة المزعومة مع النجمة ستورمي دانيلز، وهي العلاقة التي ينفيها الرئيس السابق.
ويعزو الاستراتيجيون من كلا الحزبين عدم ثبات الهجمات على زيجات المرشحين إلى تغير المعايير حول ما هي اللعبة العادلة في الحملة الرئاسية. وتقول كارين فيني، الخبيرة الاستراتيجية الديمقراطية التي عملت في حملة هيلاري كلينتون الرئاسية لعام 2016 عن الزواج الثالث لترامب، «بالتأكيد، من جانبي، لا أرى أي خطأ في ذلك لأن هذه هي الحياة».
ومع ذلك، وبقدر ما تغيرت الأعراف الاجتماعية، فإن قرار ترامب باختيار فانس نائباً له أدى إلى رفع مستوى النقاش حول الأسر التقليدية، التي يرى اليمين الجديد أنها الحل للعديد من المشاكل الحديثة. كما أنهم يجادلون بأن برامج الحكومة فشلت في الحفاظ على الأسر التقليدية، وبدلاً من ذلك تفضل المزيد من التدخل الحكومي، مثل الإعفاءات الضريبية للأطفال والإجازة العائلية مدفوعة الأجر التي دعمها ترامب أثناء توليه الرئاسة.
دعم الأطفال
ويعد اقتراح فانس برفع الإعفاء الضريبي إلى 5000 دولار لكل طفل مثالاً على طبيعة سياسات التدخل الحكومي التي يتم الدعوة إليها الآن كجزء من أجندة محافظة جديدة مؤيدة للأسرة لكن فانس، الذي نشأ على يد أجداده ولديه مجموعة من الإخوة والأخوات غير الأشقاء، قال إن هذه السياسة ستنطبق على جميع العائلات أياً كانت بنيتها الداخلية، مما يشير إلى الرغبة في مساعدة المزيد وليس مجرد العائلات التقليدية.
وقال لوك شرودر، المتحدث باسم فانس: «إن السيناتور يدعم السياسات التي من شأنها أن تجعل الحياة أفضل لجميع أنواع الأسر الأمريكية: انخفاض الأسعار، واقتصاد أقوى، وشوارع أكثر أمانًا، وحدود مغلقة». ويضيف: «جميع الأطفال في أمريكا، سواء نشأوا في أسرة تقليدية أو غير تقليدية مثل فانس يستحقون تحقيق حلمهم الأمريكي.»
وفي الوقت نفسه، تعهد ترامب بعلاجات التخصيب في المختبر مجانًا لجميع الأمريكيين، على أن تدفع تكاليفها شركات التأمين أو الحكومة الفيدرالية. ودافعت حملته عن الاقتراح، الذي يثير غضب المحافظين الاجتماعيين، باعتباره استثماراً ضرورياً طويل الأجل في ضوء معدل المواليد المنخفض بشكل قياسي في الولايات المتحدة.
وبالمثل فإن الديمقراطيين يرون أن مجموعة برامج شبكات الأمان الاجتماعي الخاصة بهم هي وسيلة لدفع برنامج «مؤيد للأسرة». واقترحت هاريس استعادة الائتمان الضريبي الموسع للأطفال، فضلا عن إضافة ائتمان ضريبي جديد بقيمة 6000 دولار للأطفال في السنة الأولى من حياتهم، وكل ذلك بغض النظر عن بنية الأسرة. كما صاغ الديمقراطيون مقترحات لتقديم إجازة أبوة مدفوعة الأجر وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية باعتبارها «مؤيدة للأسرة» بالمثل.
ويقول مراقبون إن هذا كله يعد جزءاً من مسعى كلا الحزبين للتعبير عن توجهاتهما حول أن هناك أكثر من طريقة لبناء أسرة سعيدة في القرن الحادي والعشرين.