كتب ا د محمد تركي بني سلامة
من المؤسف أن نجد في بعض وسائل الإعلام مقالات تتسم بنبرة استفزازية وتفتقر إلى الموضوعية، مما يدعو للتساؤل حول دور قانون الجرائم الإلكترونية في الحد من مثل هذه التجاوزات. بدلاً من أن تسهم هذه المقالات في بناء حوار مجتمعي بنّاء، نجدها تفيض بلغة تحريضية وجارحة، تتحول إلى مصدر للتفرقة وتأجيج التوترات، بدلاً من أن تكون منبراً للبحث عن حلول وطنية تخدم المجتمع وتوحده.
تنامي هذه الظاهرة يدعو للتساؤل حول الهدف من نشر هذه المقالات، حيث يرى البعض أنها تسهم في تقسيم المجتمع وخلق حالة من التخوين والتشكيك في الآخرين. فالإعلام، الذي يفترض أن يكون أداة للتواصل المجتمعي وإثارة النقاش البنّاء حول القضايا الوطنية، أصبح في بعض الأحيان وسيلة للتحريض وإشاعة الفوضى تحت ذريعة “حرية التعبير”. كان من الأفضل للكتاب في هذه المواقع الإعلامية أن يلتزموا بالموضوعية وأن يبتعدوا عن الانجراف وراء المزايدات التي لا تخدم أحداً سوى من يسعى إلى استغلال الانقسامات المجتمعية لأهداف ضيقة لا تمثل مصلحة الوطن.
إن قانون الجرائم الإلكترونية وُضع لحماية الفضاء العام من الخطاب المسيء ولمنع التهجم الشخصي، لا لتمرير مقالات تنضح بأيديولوجيات ضيقة وأفكار سلبية تسهم في تأجيج النزاعات وزيادة الشحناء. علينا أن نتساءل عن الأثر الذي تحدثه هذه المقالات على المدى الطويل على السلم المجتمعي ووحدة الصف الوطني، فبدلاً من أن تسهم في بناء وعي جمعي موحد، نجدها تزرع بذور التفرقة والتعصب بين أبناء الوطن الواحد.
ما يثير القلق هو أن بعض هذه المقالات تأتي من أفراد يظهرون ولاءً زائفًا للدولة والنظام، ويحاولون تصوير أنفسهم على أنهم الصدى الوحيد لصوت الدولة . هؤلاء الأشخاص، الذين يتجاوزون في إظهار ولائهم بصورة مبالغ فيها، لا يقدمون أي إضافة لاستقرار الدولة؛ بل يسهمون في زيادة الاحتقان بين أبناء الشعب وخلق بيئة مشحونة بعدم الثقة، ويسيئون لصورة دولتنا التي تقوم على التسامح والوحدة الوطنية.
ومن المؤسف أن تتحول الساحة الإعلامية في بعض الأحيان إلى ساحة لتصفية الحسابات الشخصية والسياسية، وأن يتجرأ البعض على استهداف ثوابت الدولة أو شخصيات وطنية وازنة كانت وما زالت تخدم الوطن بمواقفها النزيهة. النقد البنّاء يجب أن يكون موجهًا نحو القضايا الوطنية والمشاكل التي تحتاج لحلول، لا نحو الأشخاص. ولكننا نجد في هذه الحالة أن البعض يختار السعي لتقسيم المجتمع إلى “موالين” و”غير موالين”، في تمييز غير منطقي لا يخدم إلا أعداء الوطن الذين يسعون لتفكيك وحدته.
وفي ضوء هذا الواقع، فإن الشخصيات التي تدعي الولاء على حساب قضايا الوطن الحقيقية ليست إلا عبئًا ثقيلًا على الملكية في الاردن ، حيث تسهم في خلق جو من التخوين والتعصب الذي يتعارض مع روح التسامح التي يحرص عليها النظام الملكي. فالملكية الأردنية تستند إلى قوة الشعب ووحدته، وليس إلى أصوات متطرفة أو مزايدات شخصية تسعى لتهميش المخلصين لهذا الوطن.
إن الأردن، في هذه المرحلة الحرجة، بحاجة إلى شخصيات وطنية حقيقية، تؤمن بضرورة بناء الوطن وتوحيد صفوفه ، نحن بحاجة إلى أصوات تطرح رؤى بناءة وتقدم حلولًا فعالة لنهضة البلاد، لا إلى أولئك الذين يسعون لفرض آرائهم ومصادرة حق الآخرين في التعبير تحت مسمى الولاء.
في الختام، نتطلع إلى رؤية إعلام يعكس طموحات الشعب الأردني، ويقف على مسافة واحدة من الجميع، ليكون منبراً للحقيقة ومرآة للمجتمع، ويؤدي دوره في دفع عجلة التقدم والنهوض بالأردن بعيدًا عن أي نوع من التحريض او التشكيك أو الانقسامات التي تعرقل مسيرتنا الوطنية الخيرة و المباركة .