3 يصادف الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل مرور عام على سحب الأردن سفيره من تل أبيب، على خلفية حرب الإبادة الجماعية المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، ما أدى إلى احتقان سياسي في العلاقات بين الجانبين.

وهو احتقان مدفوع بإصرار إسرائيلي على مواصلة الإبادة في غزة منذ أكثر من عام، يقابله حراك أردني لدحض روايات تل أبيب وبيان المآرب الحقيقية لما تقوم به في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستفزازاتها المستمرة لدول المنطقة.

قرار الأردن استدعاء سفيره غسان المجالي وعدم إعادة سفير إسرائيل روجيل بن موشيه راحمان إلى عمان كان نقطة تحول في العلاقات؛ إذ أتبعته المملكة بوقف توقيع اتفاقية مع إسرائيل لتبادل الطاقة مقابل المياه.

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تصريح متلفز حينها: “لن نستطيع مواصلة اتفاقية الطاقة مقابل المياه، لأنه لا يمكن لوزير أردني أن يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي لتوقيع اتفاق فيما هم يقتلون إخواننا في غزة”.

 

عقب ذلك، حاولت إسرائيل الضغط على الأردن بملف المياه، عندما أعلنت وسائل إعلام عبرية أن تل أبيب تدرس “عدم تمديد” اتفاقية المياه الموقعة مع عمان، مرجعة ذلك إلى موقف المملكة الرافض للحرب على غزة.

لكن بعد أيام قليلة من حديث الصفدي، اعتبر عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، خلال اجتماع مع مسؤولين، أن المضي قدما في مشروع “الناقل الوطني”، الذي يهدف لتحلية ونقل المياه من العقبة (جنوب) إلى عمان (وسط)، “أولوية وطنية”.

ويرى مراقبون أن كل المعطيات تفيد أن إسرائيل تسعى إلى مكاسرة المملكة سياسيا، متجاهلة الروابط الجغرافية والديموغرافية بين الأردن وفلسطين.

وهذا السلوك الإسرائيلي، وفق مراقبين، جعل علاقات عمان وتل أبيب في “أسوأ حالاتها”، منذ توقيع اتفاقية السلام بينهما عام 1994، والتي أكملت عامها الثلاثين في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وبدعم أمريكي، أسفرت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن أكثر من 143 و500 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

خطر متصاعد

رئيس قسم الإعلام والدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال (حكومية) عيسى الشلبي، يقول للأناضول: “كان طوفان الأقصى (7 أكتوبر 2023) مفاجئا للأردن كغيره من دول العالم”.

ويتابع: “حيث تحظى هذه الحرب باهتمام بالغ من جانبه (الأردن)؛ نظرا لاحتمال تأثره بأي تطور، وبخاصة قضية التهجير القسري للفلسطينيين، ما يشكل تهديدا لأمنه واستقراره”.

ويستطرد: “إضافة إلى أنها عكست ردة فعل الأردن وقلقه العميق جراء التصعيد المستمر في فلسطين؛ لأن من شأن ذلك أن يعصف بالاستقرار الإقليمي والدولي ويفتح أطماع المتطرفين في حكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو لخلق ظروف طرد الفلسطينيين إلى المملكة”.

الشلبي يعتبر أن “حراك الشارع الأردني من خلال المسيرات والتوجه إلى نهر الأردن والسفارة الإسرائيلية في عمان، شكّل ورقة ضغط على الدولة الأردنية التي بدأت بمحاولة إيجاد نوع من التوازن بين التنديد بالعدوان الإسرائيلي والتزاماته بمعاهدة وادي عربة”.

ويشير إلى أن “الأردن مرتبط بعلاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة التي بدورها انحازت علنا إلى إسرائيل في حربها على غزة، في حين أنه ومنذ بداية الحرب على غزة، لوحظ نشاط أردني دبلوماسي وإعلامي بأعلى المستويات في النظام الأردني”.

ويدلل على ذلك بدعوة الملك عبد الله منذ بداية الحرب بتوجيه خطاب أردني دولي “يحمل معانٍ تراكمية وليست آنية للتأكيد فيها على كافة التحذيرات التي وجهها على مر السنين في جميع مقابلاته والندوات التي شارك بها في كافة المحافل الدولية حول خطورة عدم السعي نحو حلول واقعية وبنائية نحو حل الدولتين على تضخيم حدة الصراع وتفجره”.

و”بالنسبة للأردن، فإن الحل المستقبلي للقضية الفلسطينية هو الأكثر إثارة للجدل؛ لأن أي شيء يحدث للفلسطينيين، وخاصة في الضفة الغربية له تأثير مباشر وغير مباشر على أمن الأردن واقتصاده وتركيبته السكانية بسبب قربه، وأيضا لأن نصف سكان الأردن هم من أصل فلسطيني”، كما يضيف الشلبي.

ويرى أن “نتنياهو لم يبذل أي جهد يذكر لمعالجة المخاوف المبررة للملك عبد الله بشأن الأوضاع الأمنية المتدهورة بسرعة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم يراع قلق الحكومة الأردنية في عزمه على حرمان الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولتهم”.

ويردف: “هذا الأمر سيكون له تأثير كبير على الأردن محليا، وما يقلق الأردن أيضا هو أن بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية الحالية يعيدون إحياء فكرة أن الأردن هو فلسطين من خلال أفعالهم في الضفة الغربية وتصريحاتهم”.

ويزيد بأنه “رغم أن نتنياهو يدرك مدى حساسية الحكومة الأردنية تجاه هذه القضية بالغة الأهمية، إلا أنه لم يفعل شيئا لتهدئة مخاوف الأردنيين المتزايدة من أن الفلسطينيين في الضفة الغربية سيتم دفعهم بالكامل إلى الأردن، وهي حسب اعتقادهم (الإسرائيليون) الوطن البديل”.

وبخصوص مستقبل العلاقة بين الأردن وإسرائيل يرجح الشلبي أنها “تتجه بعد عام على سحب السفير الأردني من إسرائيل واستمرار الحرب على غزة وفتح جبهة للحرب على لبنان إلى نوع من نمط الأزمات الدولية، وهي أزمات حافية الهاوية التي هي أشد الأزمات الدولية خطورة من حيث المستوى والحدة”.

ويرى أن “مصالح تل أبيب في حكومتها الحالية تجاه عمان هي مصالح قليلة لكنها موجودة، وهذا ينذر بالخطر المتصاعد بين الأردن وإسرائيل، ومع ذلك تتصف في الوقت نفسه بدرجة كبيرة من القابلية للتحكم والسيطرة”.

علاقة محكومة بضوابط

أما أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية (حكومية) بدر الماضي فيقول للأناضول إن “العلاقة الأردنية الإسرائيلية محكومة بمجموعة من الضوابط لكل من الدولتين وخاصة الجانب الأردني”.

ويوضح أنه “بالنسبة للأردن لا يملك الكثير من المساحات للمناورة في مستقبل هذه العلاقة؛ بسبب العلاقة المميزة بين عمان وواشنطن، والتي تعتبر إسرائيل جزء من أمنها الوطني والاستراتيجي”.

ويستطرد: “دائما ما وجَّهت الولايات المتحدة ضغوطها لحلفائها من دول المنطقة بضرورة الحفاظ على المسافة التي لا تحقق الضرر للوجود الإسرائيلي”.

و”فيما يخص الأردن أيضا، فإنه ورغم الظروف السياسية الصعبة التي يمر بها، إلا أنه دائما ما حاول أن يوازن بين المعادلة الأمريكية القائمة على إدماج اسرائيل في المنطقة والحفاظ على أمنها وبين القيام بواجبه تجاه القضية الفلسطينية وإقامة دولة لتحقيق أماني الشعب الفلسطيني”، وفق الماضي.

ويرجح أنه “لن تعود العلاقة بين الطرفين طالما استمر الصلف الإسرائيلي والتصرفات القائمة على تدمير قطاع غزة والتهجير القصري”.

ويضيف أن “الأردن يدرك تماما خطورة الواقع بين أهمية إسرائيل للولايات المتحدة في الجوانب الأمنية والاستراتيجية وبين الضغوطات الداخلية الشعبية (الأردنية) التي لا ترى في إسرائيل إلا عدوا لا يمكن الوثوق به”.

ويختم بأن “الأردن يتعرض لضغوط سياسية كبيرة جدا، لكنه قادر بسبب الخبرات السياسية المتراكمة على تجاوز معضلة العلاقة؛ بإعادة إنتاج إطار يخدم المصلحة الأردنية والفلسطينية ويحافظ على مسافة المصلحة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وبالتالي إسرائيل”.

الأناضول

Shares: